دليل شرح قانون الأسرة و عرض أسبابه
نظرة تاريخية حول تطور قانون الأسرة في الجزائر
مقدمات الزواج: الخطبة و العدول عنها
التهادي و قراءة الفاتحة
الزواج: تعريفه و حكمة تشريعه
أركان الزواج و شروطه، سن الزواج
شروط قبول الدعوى به قانونا : الزواج الرسمي
الزواج العرفي
إثبات زواج المتوفى
المحرمات من النساء و حكمة التحريم:
المحرمات مؤبدا بالنسب والمصاهرة و الرضاع
المحرمات مؤقتا بالسبب: زوجة الغير و معتدته
الجمع بين أكثر من 04 .
الولاية في الزواج
حقوق الزوجة : المهر+النفقة+عدم الإضرار بها والعدل بين الزوجات
الحقوق بين الزوجين اشتراكا
فك الرابطة الزوجية:
الطلاق بالتراضي
الطلاق بإرادة الزوج
التطليق
الخلع
الحضانة
توابع العصمة وسائر الآثار المالية للطلاق
العدة و أنواعها و نفقاتها
المتعة و التعويض.
شرح المواد المعدلة الواردة بالأمر 05-*02 المؤرخ في 27/02/2005:
المادة 03 مكرر : تعد النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية
إلى تطبيق أحكام هذا القانون.
عرض الأسباب: ورد في عرض الأسباب المرفقة بنص مشروع تعديل قانون الأسرة كما نشرته الصحافة الوطنية يوم:09/08/2004 أن هذه المادة تنص على أن النيابة العامة طــــرف رئيسي في كل قضايا الأسرة ، كونها ممثلة للحق العام من جهة، و باعتبار أن قضايا الأسرة هي قضايا من النظام العام من جهة أخرى فإنه لا بد من حمايتها والسهر على ضمان استقرارها.
التعليق: هذه المادة جديدة لم تكن موجودة من قبل و من تم كان ترتيبــها 03 مكرر، و هذا بتفعيل دور النيابة في قضايا الأحوال الشخصية ، لأن أساس هذه المادة هو اقتراح اللجنة بتوسيع مجال المادة 141 من قانون الإجراءات المدنية ومدها إلى محاكم الدرجة الأولى بدل اقتصارها على النواب العامين على مستوى المجالس القضائية، فالمادة 141 من قانون الإجراءات المدنية المتممة و المعدلة بموجب الأمر رقم:71-80 في مادته 46 تنص على أنه: ( يجب إطلاع النائب العام على القضايا الآتية:
01-القــــــــضايا التي تتعلق بالدولة و الجماعات المحلية و المؤســـسات
العمومية و المصالح و الهبات و الوصايا لصالح الخدمات الاجتماعية.
나- القضايا الخاصة بحالة الأشخاص.
다- القضايا التي تتضمن دفوعا بعدم الاختصاص في نزاع يتعلق بصلاحية الجهة القضائية.
라- تنازع الاختصاص بين القضاة ورد القضاة.
마- مخاصمة القضاة.
바- القضايا المتعلقة بعديمي الأهلية.
사- القضايا المتعلقة بالأشخاص المعتبرين غائبين .
아- إجراءات الطعن بالتزوير.
وترسل هذه القضايا الموضحة آنفا إلى النائب العام قبل 10 أيام على الأقل من يوم الجلسة بواسطة كتابة الضبط.
ويجوز للنائب العام الإطلاع على جميع القضايا الأخرى التي يرى أن تدخله فيها ضروري ولاسيما القضايا الماسة بالنظام العام.
ويجوز للمجلس القضائي أن يأمر من تلقاء نفسه بإرسال القضايا المذكورة إلى النائب العام ).
بهذا الـنص كانت قضايا الأحوال الشخصية تعتبر من القضايا المبلّغة وجوبا، و النيابة العامة طرف منّظم تدخله وجوبي في القضايا سالفة الذكر المحددة بثمانية أصناف محصورة و جوازي في غير ذلك من القضايا .
و كان يعاب على هذا النص اقتصار حكمه على درجة التقاضي الثانية أمام محاكم الاستئناف دون محاكم الدرجة الأولى و بالتالي انحصار تدخل النيابة على السيد النائب العام دون السادة وكلاء الجمهورية ، رغم أن الاجتهاد القضائي الساري المفعول مدد حكم المادة 141 من قانون الإجراءات المدنية بتبليغ الملفات المبلغة للنيابة حتى على مستوى المحاكم و عدم قصرها على المجالس القضائية على اعتبار مبدأ عدم تجزئة النيابة سواء تعلق الأمر بالسادة وكلاء الجمهورية أو بالنواب العامين .
غير أن هذا الاجتهاد القضائي ظل قاصرا و تضمن ترجيحا بدون مرجح لأن الإجراءات ُمحكمة و لا اجتهاد فيها و لا يجوز فيها القياس و لا الخروج على النص التشريعي و لا التوسع فيه.
و من تم كان الاقتراح بتفعيل دور النيابة في قضايا الأحوال الشخصية بجعل تدخل النيابة وجوبي بقوة القانون طالما كانت قضايا الأحوال الشخصية مرتبطة بالنظام العام ، لأن تـــرك تدخل النيابة جوازيا قد يجعلها لا تتدخل أبدا بسبب كثرة مشاكلها ومشاغلها وتعدد مهامها أو يكون تدخلها شكليا فقط.
و بالتالي تعين تفعيل دور النيابة بجعلها طرفا أصليا بدل جعلها طرفا منظما طالما كانت قضايا الأحوال الشخصية من النظام العام بات تدخل النيابــة حاجة ماسة و ضرورية، فليس من المنطق أن يكون دور النيابة قاصرا و جوازيا ، و بالتالي هذا التعديل الجديد كان لازما و مناسبا ومن شأنه أن يحل كثير من الإشكالات التي كشف عنها الإجتهاد القضائي ليس على مدار 20 سنة مضت منذ صدور قانون الأسرة رقم:84-11 بل على مدار 33 سنة منذ 1971 تاريخ تعديل المادة 141 من قانون الإجراءات المدنية وبداية التدخل المحتشم للنيابة في قضايا الأحوال الشخصية في القضايا المبلغة.
المادة 04 معدلة: الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه تكوين أسرة أســاسها المودة و الرحمة و التعاون وإحصان الزوجـين و المحافظة على الأنساب.
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب هذه المادة أن التعديل يهدف إلى توضيح أن عقد الزواج هو عقد رضائي يتم بين رجل و إمرأة يقوم على أساس رضا الزوجين ، الذي يتحقق باقتران الإيجاب بالقبول وفقا للأحكام العامة للعقد.
التعليق: تضمنت هذه المادة المعدلة إضافة عبارة عقد رضائي في تعريف الزواج، تقييدا لعموم المادة 04 من قانون الأسرة القديم رقم:84-11 التي لم تــذكر هذا التقييد و التحديـد في تعريف الزواج ، و الزواج هو عقد رضائي عند كل الفـــقهاء مدنيا و شرعيا و هذا لا يطرح أي إشكال.
المادة 05 المعدلة: الخطبة وعد بالزواج .
يجوز للطرفين العدول عن الخطبة .
إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض.
لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه، وعليه رد ما لم يستهلك أو قيمته.
و إن كان من المخطوبة ، فعليها رد ما لم يستهلك من هدايا أو قيمته.
عرض الأسباب : جاء في عرض أسباب المادة 05 معدّلة بأنه قد أعيد ترتيب أحكام الخطبة و حق العدول عنها و تم توضيح آثار العدول عن الخطبة و أحكامها بدقة، سواء كان العدول من قبل المخطوبة أو الخاطب.
التعليق: هذه المادة لم تثر أي إشكالية في فهمها و بالتالي تبقى من مسائل الفقه و الشرح على المتون دون حاجة إلى مناقشتها و لا حاجة إلى بيان تأصيلاتها الفقهية فهي مبينة في كتب الفقه الإسلامي بتفصيل .
المادة 06 معدلة: إن اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجا.
غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد تعتبر زواجا متى توافرت أركانه و شروطه طبقا لأحكام المادتين 09 و 09 مكرر من هذا القانون.
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب المادة 06 معدلة أنه يقترح توضيح أن الفاتحة التي تقترن بالخطبة لا تعتبر زواجا ، إذا لم تقترن بمجلس العقد متى توافرت أركان الزواج و شروطه و هو تكريس للإجتهاد القضائي للمحكمة العليا في هذا المجال.
التعليق: جديد هذا التعديل هو سد ذريعة و غلق باب كان مفتوحا بشكل فادح و فاضح باسم الزواج العرفي فبمجرد اقتران الفاتحة بالخطبة دون سائر شروط صحة عقد الزواج الشرعي كان كثير من الناس يتمسك بأن هذا زواج شرعي و يطالب قضائيا بإثباته مما جعل الزواج العرفي مطية لركوب الحيل الشرعية تحت غطاء القانون ، مما تعين معه تقنين ما توصلت إليه المحكمة العليا في اجتهاداتها بصدد عدم اعتبار الخطبة المقترنة بالفاتحة دون سائر شروط العقد زواجا ، لأن اقتران الفاتحة بالخطبة دون سائر الشروط جرت في عرف المجتمع مجرى التبرك لا العقد الشرعي ، فإن اقترنت بشروط صـــــحة عقد الزواج فهي زواج شرعي غير مسجل و من تم أمكن اعتبارها عقدا شرعيا يستحق بعد ذلك إثباته و تصحيحه بموجب حكم قضائي.
المادة 07 معدلة: تكتمل أهلية الرجل و المرأة في الزواج بتمام 19 سنة و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين على الزواج.
يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات.
عرض الأسباب : جاء في عرض الأسباب لهذه المادة أنها تقترح توحيد سن الزواج بالنسبة للرجل و المرأة و تحديده بـ:19 سنة ، تطابقا مع سن الرشد المدني و بالتالي تقرير سن موحد بالنسبة للرجل و المرأة من باب المساواة بينهما، غير أنه أعطيت للقاضي صلاحية الترخيص بالزواج قبل ذلك لضرورة أو مصلحة متى تأكد من قدرة الطرفين على الزواج.
التعليق:
كانت المادة 07 السابقة من القانون 84-11 المؤرخ في 09 جوان 1984 الـــمتضمن قانون الأسرة تنـــص على اكتمال أهلية الزوج للزواج بـ:21 سنة و المرأة بـ:18 سنة و كان هذا المعيار منتقدا باعتبار أن في التشريع الجزائري تعارض كبير في احتساب سن الرشد و الأهلية فالمرأة التي تعتبر كاملة الأهلية بتمام 18 سنة في قانون الأسرة هي قاصر بموجب أحكام المادة 40 من القانون المدني الذي يحدد سن الرشد بتمام 19 سنة لكل من الرجل و المرأة و كلاهما قاصر بموجب أحكام قانون الجنسية الذي يحدد سن 21 سنة ، وفي المجال الجزائي سن إكتمال الأهلية والمسؤولية الجزائية هو :18 سنة للرجل و المرأة وفي جرائم الإرهــاب 16 سنة ، و هذه فوضى في النصوص ، الإصلاح التشريعي يقتضي توحيد السن بجعل سن الرشد لدى كلا الزوجين محدد عند 19 سنة ، و وجه الترجيح أن أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل و التي صادقت علــيها الجزائر تجعل سن الطفولة يمتد إلى 18 سنة ، و بالتالي فإن سن 19 سنة يعتبر سن رشد و ليس من بلغ هذه السن بطفل وفقا لأحكام القانون المدني الجزائري أولا و وفقا للاتجاه الدولي و المعايير الدولية الجديدة ، حتى لا يكون التشريع الجزائري شــــاذا و متعارضة نصوصه فيما بينها، و هذا التعديل هو فاتحة لتوحيد السن في ســـــائر التشريعات لاحقا من قانون الجنسية و العقوبات ، فضلا عن أن تحديد السن بتسعة عشر سنة لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية لأن البلوغ الذي تكلم عنه فقهاء الشريعة الإسلامية بجميع مذاهبها فهو البلوغ البيولوجي أما التمييز و التكليف الشرعي فيبدأ شرعا من سن 07 سنين المحددة لتعليم الصلاة و يتأكد بسن 10 سنوات المحددة للتأديب على تركها و بالتالي لا ما نع شرعا من تقدير سن الرشد بتمام 19 سنة على الأقل طالما أن النبي صلى الله عليه و سلم سن قاعدة شرعية في حديثه الشريف بقوله: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم.) ، وغني عن البيان أن مدار أحكام الشريعة الإسلامية: مراعاة المقاصد الخمسة التي أفاض فيها الإمام الشاطبي فلا إشكال تطرحه هذه المسألة لا شرعا و لا قانونا ، لأن مسألة تحديد السن إنما تخضع تقديراتها بظروف كل بلد اقتصاديا و اجتماعيا ومراعاة وحدة البناء التشريعي الوطني و الدولي ليكون تشريعنا قويا و منسجما.
كما منحت هذه المادة ترشيدا للزوج القاصر الذي يقل عمره عن 19 سنة بقوة القانون ، و لكن فقط فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات ، حتى لا يخضع لأي وصــاية ولا ولاية في شؤون أحواله الشخصية سيما و أن المقرر شرعا و قانونا أن الرجل في مادة الأحوال الشخصية ولي نفسه فتعين ترشيده بقوة القانون.
المادة 07 مكرر: يجب على طالبي الزواج أن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن الشهرين تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج .
يتعين على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير عقد الزواج من خضوع الطرفين للفحوصات الطبية و من علمهما بما قد تكشف عنه من أمراض.
تحدد شروط و كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم.
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب هذه المادة أنها تلزم طالبي الزواج بأن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن الشهرين ، تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج ، و أن هذا الشرط يهدف إلى حماية صحة الزوجين و الأطفال و المجتمع و أنه يقع على عاتق الموثق و ضابط الحالة المدنية التأكد من علم الطرفين بالحالة الصحية لكل منهما قبل تحرير عقد الزواج ، و أن هذه المادة تترك للأطراف إتمام الزواج من عدمه و أنها تحيل على التنظيم لتحديد شروط و كيفيات تطبيقها.
التعليق: أصل هذه المادة التي عارضها بعض الناس إنما هو من الشريعة الإسلامية و من متطلبات العصر ، ففي الشريعة الإسلامية يوجد ما يعرف عند الفقهاء لدى جميع المذاهب بـالعيوب الموجبة للخيار و هي حق الزوجين في التعرف على العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج لكي لا يكون عقد القران مبني على الغرر ، فإن كان في أحد الزوجين حين عقد الزواج واحد من العيوب كان للآخر الخيار في البقاء معه أو الفراق ، فإن كان قبول كل زوج للآخر و هو عالم بعيبه لم يُطرح بعد ذلك أي إشكال ، و لا سيما بعد ظهور أمراض العصر الخطيرة التي يتعـــذر علاجها و التحكم فيها كمرض فقد المناعة( السيدا أو الأيدز) ، فهنا تتدخل المصلحة العامة حتى لا تصبح مؤسسة الزواج موزع ووسيلة لانتشار هذا الداء بشكل يستعصي معه التحكم فيه ، فينتج عن ذلك كله نسل مريض و مجتمع مريض ، و قديما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج و غني عن البيان كذلك أن مجتمعا لا يحسب للصحة حسابها لا مستقبل له في عالم الصحة فيه عماد التنمية المستدامة ، ولذلك فإن أخطر العيوب الموجبة للخيار في زمننا هذا هي مرض فقد المناعة بالذات لكي لا يغفل عنه الأطباء حين الفحــــص إلى جانب سائر العيوب الجنسية التي قتلها الفقهاء بحثا و حررت فيها التصانيف و من تم ستحدد قائمة هذه الأمراض بنص خاص لاحقا عن طريق التنظيم ،سيما و أن إمكانيات مستشفيات الجزائر تسمح بكل هذه الفحوصات سيما فحص السلامة من السيدا طالما أن كل شخص يريد التبرع بالدم في أي مستشفى يجرى له تلقائيا فحص إجباري للتأكد من سلامته من مرض الأيدز أو مرض فقد المناعة.
و كانت الأراء مختلفة في تحديد مدة شهادة الفحص الطبي المعمول بها حتى في فرنسا بين من يرى الأنسب شهرين و 03 شهور و 06 شهور والرأي الأرجح طبيا هو أن مدة الشهادات الطبية لا ينبغي أن تقل عن 03 أشهر على الأقل ولا تزيد عن 06 أشهر على الأكثر بناء على تقارير أطباء أخصائيين قدمت للجنة مراجعة قانون الأسرة ووزارة العدل و بناء على محاضرات مختصة قدمت في ملتقيات علمية جامعية وطنية ودولية لا سيما تقرير الدكتور بن سعد محمد أخصائي الأمراض المعدية بجامعة وهران والدكتور قاسمي يوسف أخصائي الأمراض الداخلية من معسكر و الدكتور فوال من تيزي وزو الذي قدم ورقة عمل قيمة في الملتقى الوطني حول قانون الأسرة بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة أيام 06-07-08 مارس 2004 و هذا تبعا للمعايير الدولية المعتمدة في هذا الشأن .
و الحق أن التحديد في هذا الشأن متروك للأطباء لا لغيرهم وهم من يستطيع التوسع في هذا أكثر من أخصائي الشريعة و القانون، غير أن المشروع اعتمد على المدة الأدنى المقترحة تيسيرا على الزوجين و هي شهرين ، و لكن من الناحية العلمية الطبية التقنية وفقا للمعايير الدولية سيما فيما يتعلق بالكشف عن مرض فقد المناعة كأخطر الأمراض و العيوب الموجبة للخيار هي أن لا تقل مدة الشهادة الطبية عن 03 أشهر بدل الشهرين التي اختارها المشروع، و طالما المادة 07 مكرر تركت تحديد شروط و كيفية تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم ، فلعل عيبها المتعلق بالمدة يستدرك لاحقا بجعل مدة شهرين لسائر العيوب الموجبة للخيار المعروفة و بترك تقدير المدة للأطباء في الأمراض الخطيرة و التي يتطلب الكشف عنها استثناء مدة تزيد عن الشهرين المحددة في مشروع القانون الجديد.
و أحسن نموذج تشريعي عربي كان جديرا بالإفادة منه كنموذج ناجح هو التشريع اللبناني الصادر وفق المرسوم الحكومي المشّرع بالقانون الصادر بتاريخ: 18/05/1994 المتعلق بإلزامية الفحص الطبي قبل الزواج لكل مواطن لبناني ، ثم التشريع الفرنسي بعده.
ولا يخفى ما في الفحص الطبي من فائدة و حماية للصحة العامة للمجتمع من خلال تمكين الزوجين من التعرف على الصحة الخاصة لكل منهما و تفادي خطر الأمراض الوراثية التي تؤدي إلى تشوه الأجنة و أمراض الدم من باب الإعلام للزوجين ضمانا لاستمرارية العلاقة الزوجية و ضمان للأمن الصحي من باب الوقاية العامة كذلك ، و من تم ليس في هذه المادة أي مخالفة لأحكام ديننا الحنيف و لا أي مصادمة للشعور العام .
المادة 08 معدّلة: يُسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي و توفرت شروط و نية العدل.
وفي هذه الحالة يجب على الزوج إخبار كل من الزوجة أو الزوجـات السابقة و المرأة التي يرغب في الزواج بها و أن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.
ويمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد ، إذا تأكد من موافقتهن ، أو موافقتهما و أثبت الزوج المبرر الشرعي و قدرته على توفير العدل و الشروط الضرورية للحياة الزوجية.
عرض الأسباب: جاء في عرض الأسباب أن هذه المادة تضيق من مجال اللجوء إلى تعدد الزوجات و تقيده بعدة شروط تتعلق بوجود ظروف تبرره و توفر نية العدل إذ يجب على الزوج :
- إخبار كل من الزوجة أو الزوجات السابقة و المرأة التي يرغب في الزواج بها .
- أن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة الذي يرخص بالزواج بعد التأكد من موافقة الزوجة الأولى و المرأة التي يرغب في الزواج بها و قدرة الزوج على توفير العدل و الشروط الضرورية للحياة الزوجية.
التعليق: يكاد يكون المتفق عليه عند الخاص و العام أن إلغاء تعدد الزوجات مخالف للشريعة الإسلامية لاصطدامه مع النصوص القرآنية الصريحة و مخالف للدستور باعتباره ينص على أن الإسلام دين الدولة طالما أن الشريعة الإسلامية هي المرجعية الأولى للقوانين الجزائرية بموجب المواد 02 من الدستور و 01 من القانون المدني و المادة 222 من قانون الأسرة الساري المفعول رقم:84-11 ، فضلا عن فشل التجارب التشريعية العربية التي اعتمدت إلغاء تعدد الأزواج و تـــجريمه جزائيا ، و مخالف كذلك لحقوق الإنسان المشروعة غير المخالفة للنظام العام الجزائري ، ومن تم رأى المشرع أنه أكرم للمرأة أن تكون زوجة ثانية حليلة على أن تكون عشيقة خليلة.
ذلك بأنها بالزواج تضمن نسب أولادها و بالمخاللة يكون أولادها أطفال طبيعيين منبوذون اجتماعيا في جميع الأحوال و هذا يقود إلى كوارث اجتماعية كبرى ، و لكن حتى لا يكون التعدد نزوة عابرة تقنن وجب ضبطه بضوابط شرعية و قانونية تحد منـــه و تجعل التعسف في اللجوء إليه أصعب من الصعب سيما و أن تقييد المباح لداعي المصلحة وسد الذرائع أصل شرعي مقرر فقها وقضاء، غير أن مشكلة تعدد الزوجات لا تعتبر من الخطورة في الجزائر بمكان إذ أن الإحصائيات بوزارة الأسرة تحدد بأن مشكلة تعدد الزوجات تشكل عمليا نسبة ضئيلة هي: 0.01 % و هذه نسبة قريبة من الصفر، فضلا عن أن غلاء المعيشة و ضعــــف قدرة الرجل على الزواج بواحدة و انتشار العنوسة يجعل من تعدد الزوجات مشكلة مصيرها إلى انقراض بحكم الواقع الاجتماعي المعيش، و مهما تكن مسألة تعدد الزوجات في الحقيقة مشكلة اجتماعية وقتية فإنها في كثير من الأحيان تكون حلا لمشاكل ظرفية كثيرة.
ولقد جاء نص المادة 08 المعدلة محددا للتعدد في حدود الشريعة الإسلامية باعتبار الأحاديث النبوية الصحيحة التي تحدد التعدد بأربع زوجات ، ثم إن نية العدل كانت مسألة خلافية بين من رأى الإبقاء عليها لأنها أساسية في التعدد ، و إلا كان التعدد يندرج ضمن نظرية التعسف في استعمال الحق المندرجة في عموم أحكام المادة 41 من القانون المدني، و بين من يرى حذفها من النص القديم باعتبار النية أمر باطني لا يطلع عليه ملاك فيكتبه و لا شيطان فيفسده و إنما لا يعلمها إلا صاحبها وربه و من تم وجب التقيد بشروط العدل المادي التي تنحصر عادة في كفاية دخل الزوج لإعالة أكثر من زوجة و توفير السكن المنفرد لكل زوجة إلا إذا اتفقتا و رضيت كل ضرة بمقاسمة ضرتها في السكن نفسه وهذا بعيد عن الممكن و قريب من المستحيل، فما سميت الضرة بالضرة إلا لاشتقاق اسمها من الضرر كما يقول فقهاء اللغة .
ورأى المشروع تقييد الحق في التعدد بتوافر المبرر الشرعي الذي هو المصلحة المشروعة و التي يترك تقديرها للقاضي ، لكن نص المشروع أبقى على الفقرة 01 من المادة 08 كما هي ، لأن في المسألة تعقيد فقهي و خلاف كبير، قد يجعل المنازعات تستشكل على القضاة حين التطبيق ، فمثلما كان الزواج أساسا يحتمل الأحكام الخمسة في الشريعة الإسلامية بأن يكون مستحبا أو مباحا أو فرضا أو مكروها أو حتى حراما على من لا قدرة له عليه ولا على نفقاته و تيقن بعد ذلك كله من ظلمه للزوجة و للنسل ، فكذلك التعدد يأخذ الأحكام الخمس كما يكون فرضا على من يملك القدرة على العدل المادي و له المصلحة المشروعة و يخشى على نفسه عدم الاكتفاء بواحدة و اللجوء إلى الزنا يكون ممنوعا و حراما شرعا على من يريد تعدد الزوجات و ليست له القدرة على إعالة زوجة واحدة فضلا عن اثنتين و يتأكد بأنه إن فعلها سيظلم الزوجة الأولى و الثانية و يشرد أولاده من الفراش الأول و الثاني ، و من تم وجب تدخل المشرع بضبط الأمور مبدئيا و تبقى مسألة صياغة النصوص قـــابلة للتعديل و لكن يجب فهم المبدأ أولا ، لأن تعدد الزوجات نظام اجتماعي متماسك و ليس منفذ نزوات بالتزوج اليوم وتشريد العائلتين في الغذ ، فمن باب ما سماه الإمام الشاطبي مآلات الأفعال أو من باب ما يسمى بالاستشراف الاجتماعي وجب ضبط الأمور على شريعة من ربنا و تبيان دون اصطدام مع النصوص القطعية الدلالة والثبوت ، فإن وقع الخلاف في الصياغة فهذا أمر يستدرك حين يعرض النص على البرلمان بغرفتيه بعد استكمال مناقشات أهل الاختصاص على منابر الجامعات و الصحافة و في كل المناسبات لكن يجب الوقوف عند فقه المقاصد، و التقيد بالموضوعية و الترفع عن خلاف التضاد .
ولقد اشـترطت المادة 08 المعدلة إعلام الزوجة السابقة أو الزوجات السابقــات و المخطوبة اللاحقة، مع طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس محكمة مسكن الزوجية الذي ينحصر دوره في الرقابة على توافر شروط العدل وقاية للرباط المقدس الذي هو الزواج من الانحلال ومن باب تفادي تضييع الأطفال كإجراء وقائي للمجتمع بمنح القاضي سلطة الرقابة على الزوج منعا للتعسف ، طالما أن مصلحة الأسرة التي هي خلية المجتمع مرتبطة بالنظام العام ، وجاء نص المشروع على أن لرئيس المحـكمة الترخيص بالزواج المكرر إذا تأكد من موافقة الزوجة أو الزوجات، و كانت هذه النقطة في الواقع مسألة خلافية في البداية إذ يرى البعض أنه يكفي الإعلام دون الموافقة لأن الزوجة إذا لم توافق طلقها زوجها و بقاء الزوجية خير من فك أواصرها، حتى لا يقول غير القانونيين من الناس أن المشرع الجزائري نزع الولي عن الزوجة و نصب 03 أولياء للرجل هم القاضي و الزوجة السابقة واللاحقة !!
وكان من بين الاقتراحات أنه في حالة عدم الرضا بالتعداد أو ثبوت عيب من عيوب الإرادة الأربعة المعروفة مـــــن غش أو تدليس أو غلط أو إكراه فإنه يجوز لكل زوجــة طلب التطليق و التعويض و هو ما جاء جزئيا في المادة 08 مكرر التي اقتصرت على حالة الغش فقط .
و يرى البعض كذلك أن على الزوج إخبار الزوجة أو الزوجات ويجوز للزوجة أو الزوجات السابقة و المخطوبة اللاحقة إبداء موافقتهن أو إعتراضهن و لأهلهن حق الاعتراض كذلك ، ودليل ذلك ما ورد في السنة أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان زوجا للسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنها وهي أم ولديه الحسن و الحسين وأراد أن يتزوج عليها ببنت أبي جهل فاعترض والدها النبي صلى الله عليه و سلم على علي بن أبي طالب أن يجمع بين ابنته و بنت أبي جهل ، فلم يتزوج عليها الإمام علي و تفصيل القصة في كتب الحديث و السنة لمن أراد الرجوع إليها.
و الرأي الغالب و الأرجح هو ضرورة إعلام الزوجة أو الزوجات السابقة بالرغبة في التعدد حفظا لصلة الرحم بين الأبناء من الفراشين مستقبلا و إثبات الكفاية المالية للزوج حفظا للمجتمع من خلال حفظ المرأة و الأطفال من التشرد و التشتت ، والقاضي إذا تبثت له كفاية الزوج المالية المؤدية إلى العدل المادي في النفقة و السكن لا يملك إلا الترخيص للزوج بممارسة حقه الذي وجب تقييده ، لأن العدل بين النساء ليس بالأمر الهيـن و الله سبحانه قال في كتابه العزيز: ( لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم) ، و بالتالي الذي يكون أكثر من الحريص هو المعصوم لا غيره، فاقترب بهذا جواز التعدد من المنع بسبب ضعف ذمم الناس و التقصير في تقدير المسؤولية فالشريعة هذبت الرغبات لتكون سوية وضبطتها و لم تطلق النزوات ليضيع الأطفال و ُتشرد النسوة و ينتج من ذلك كله إضرار للمجتمع و هلاك للحرث و النسل و من تم كان تقييد المباح بمباح لمصلحة شرعية من صميم الشرع و غير مخالف له ، وهذه أيضا مسألة تحتاج إلى نقاش علمي طويل بموضوعية .
المادة 08 مكرر: في حالة الغـش يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق.
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب المادة 08 مكرر من المشروع أن هذه المادة تنص على أنه في حالة الغش المرتكب من قبل الزوج ، يحق لكل واحدة من الزوجتين رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق ، و أن هذه المادة تهدف إلى حماية كل زوجة من المناورات التي قد تصدر عن الزوج.
التعليق: قررت المادة 08 مكرر حق الزوجة أو الزوجات ضحية غش الزوج في طلب التطليق من باب حماية كل زوجة من تعسف الزوج ، غير أنها لم تنص على حق طالبة التطليق في طلب التعويض ، و لقد كان الاقتراح مؤكدا في التنصيص على الحق في طلب التعويض لأن الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا كان منقسما إلى اتجاهين فريق يرى أن طالبة التطليق لا تستحق التعويض طالما اختارت فراق زوجها فيكفيها الحكم لها بالتطليق و لا تعويض لها ، و فريق ثاني يرى أحقية الزوجة في طلب التعويض لأنها لم تخــــتار فراق زوجها إلا متضررة فلا يجمع عليها بين ضررين تطليقها و حرمانها من التعويض و التعويض ليس غرامة مالية كما سماها بعض المعترضين و لا عقوبة جزائية للزوج كما ذهب إلى ذلك غير العالمين بالقانون و إنما هو جبر لضرر الزوجة المعنوي كالمتعة و كان هذا هو الرأي الراجح و الغالب في النقاش، فوجب حسم الخلاف بالنص الصريح النافي للجهالة والغموض تيسيرا على القاضـي و المتقاضي، لأن النص الوارد في المادة 08 مكرر من المشروع في الواقع كان موجودا بصورته الحالية في المادة 08 من القانون 84-11 محل التعديل ، و سكوت نص المشروع عن حق طالبة التطليق في التعويض سيفتح الباب واسعا لتعارض الاجتهاد القضائي من جديد في قبول طلب التعويض مع التطليق أو رفضه ، فمن يقضي بقبول طلب التعويض مع التطليق يكون على حق وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية و من يقضي برفض طلب التعويض لعدم التأسيس يكون كذلك على حق لعدم ورود نص القانون المقرر لاقتران طلب التطليق مع التعويض ، و من تم تبقى مهمة نواب الشعب في البرلمان بغرفتيه لاقتراح إمكانية طالبة التطليق في الحصول على تعويض حسما للخلاف و سدا لذريعة التناقض طالما أن طلب الزوجة للتطليق مؤسس على ضرر شرعي و قانوني منصوص عليه في قانون الأسرة ، و ليست طالبة فراق بدون سبب و لا مسوغ شرعي كالمختلعة.
المادة 08 مكرر01: يفسخ الزواج الجديد قبل الدخول ، إذا لم يستصدر الزوج ترخيصا من القاضي وفقا للشروط المحددة في المادة 08 أعلاه.
عرض الأسباب : جاء في عرض أسباب هذه المادة أنها تنص على أن الزواج الجديد يفسخ قبل الدخول إذا لم يستصدر الزوج ترخيصا من القاضي ، و لم تقرر الفسخ بعد الدخول لحماية الأسرة بصفة عامة و الأطفال الذين قد يولدون عن هذا الزواج.
التعليق:
قررت هذه المادة فسخ الزواج المكرر دون ترخيص و لا استيفاء شروطه قبل الدخول بناء على طلب كل ذي مصلحة من الزوجتين أو الزوجات قبل الدخول، فإن وقع الدخول لا يفسخ و لكن يعتبر خطأ تقصيريا موجبا للتعويض و مبررا موجبا لطلب الزوجة التطليق ، كأثر من آثار الإخلال بأحكام المادة 08 المعدلة من القانون 84-11 بموجب أحكام المشروع الجديد.
المادة 09 : يتم عقد الزواج بتبادل رضا الزوجين .
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب هذه المادة أنه مما لا شك فيه أن عقد الزواج يتميز من الناحية القانونية عن باقي العقود ، من جهة أنه يخضع للعديد من القواعد و الشروط التي تخضع لها هذه العقود ، إلا أنه يتميز عنها بعدة خصائص ، لا سيما كونه عقد رضائي يتم بمجرد تبادل الرضى بين رجل و امرأة من أجل تكوين أسرة على وجه الدوام ، فليست المصالح المادية و المنافع هي التي تجمع بينهما.
التعليق: جديد هذه المادة أنها جعلت للزواج ثلاثة أركان الزوج و الزوجة و التراضي عند من يرى التقسيم الشرعي للأركان وعند من يرى الوقوف عند القراءة القانونية للنص دون المنظور الشرعي المادة 09 المعدلة حصرت ركن الزواج في ركن وحيد هو التراضي و غير التراضي اعتبرها مشروع القانون الجديد شروط و مسألة التسمية بين الشروط و الركن أو الأركان اختلاف لفظي بين المذاهب ، و هذه مسألة يطول شرحها ، فالركن المتفق عليه هو التراضي و الباقي مختلف فيها بين اعتبارها ركن أو شرط.
المادة 09 مكرر: يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية:
- أهلية الزواج
- الصداق
- الولي بالنسبة للقصر
- شاهدان
- انتفاء الموانع الشرعية.
عرض الأسباب: جاء في عرض أسباب هذه المادة أنها تضمنت الشروط التي يجب أن تتوفر في عقد الزواج وحددتها في: أهلية الزواج ، الصداق ، الولي بالنسبة للقصر، شاهدين ، و انتفاء الموانع الشرعية، مع الإشارة إلى أن المشروع يميز بين ركن عقد الزواج ( تبادل الرضا) و شروطه.
التعليق:
المادة 11: الولاية حق للمرأة الراشدة تمارسه بنفسها أو تفوضه لأبيها أو لأحد أقاربها ، مع مراعاة أحكام الفقرة 02 من المادة 07 من هذا القانون، يتولى زواج القاصر وليه و هو الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له.
لقد كان رأي اللجنة منقسم بين من يرى أن الولاية يجب أن تلغى كلية لأنه لا يعقل أن تكون المرأة قاضية و تعتبر بحكم القانــــــون ولي من لا ولي له بموجب المادة 11 من قانون الأسرة رقم:84-11
و تحتـــاج هي إلى ولي !! وتكون وزيـرة ومحامية و مرشحة لرئاسة الجمهورية !! فهذا ما لا يستقيـــم مع العقل و المنطق و يعتبر مساس بمبدأ المساواة بين المواطنين وفقا لأحكام الدستور، و للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، كان هذا رأي فريق من أعضاء اللجنة .
و كــــان فريق آخر يرى أن إسقاط الولاية كلية يتعـــارض مع الشرع و يتعارض مع طبيعة المجتمع وما تعارف عليه الناس من قيم وتقاليد و بالتالي فليس من الحق و العدل إرضاء قلة على حساب كثرة من أبناء المجتمـع ، سيما و أن المتفق عليه داخل اللجنة ووفقا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية في كثير من خطبه الإبقاء على الشريعة الإسلامية كمصدر لقانون الأسرة ومرجعية له و ليس في الشريعة الإسلامية بمذاهبها السنية الأربعة من يسقط الولاية و من المساس بأحكام الدستور لاسيما المادة 02 التي تعتبر الإسلام دين الدولة إسقاط الولاية، و من تم مبدأ المساواة للمواطنين أمام القانون مبدأ دستوري صحيح لكن ليس على إطلاقه بل هو مقيد بالمادة 02 من نفس الدستور ، و بهذا فالإبقاء على الولي دستوري و لا إشكال فيه.
و من تم فلقد تم الاعتماد في المشروع الذي صادقت عليه الحكومة على اعتبار الولاية حق للمرأة تمارسه بنفسها حسب اختيارها و مصلحتها و لها أن تفوض أباها أو أحد أقاربها إن أرادت والأسانيد الشرعية المؤدية إلى هذا الرأي نوردها أدناه.
والمؤكد في الواقع القضائي أن مسألة الولاية في الزواج لا تشكل أي إشكال في الحياة العملية رغم مطالب كثير من الجمعيات النسوية التي تغفل عن حقوق المرأة في قانون الأسرة القديم رقم 84-11 موضوع التعديل إذ قانون الأسرة نص على الولاية في 04 مواد لا خامس لها في القانون رقم:84-11 و هي المواد: 11-12-13-33 و أن عقد الزواج بشاهدين وصداق و تراضي و دخول صحيح ولو بدون توافر ركن الولي في التشريع السابق يقع صحيحا من غير إشكال لكن الناس لا يعرفون حقــــوقهم و قانون الأسرة كان مظلوما في هذه النقطة وللتوضيح بالرجوع إلى مضمون المواد السابقة نجدها كانت تنص للتذكير على ما يلي:
المادة 11 : يتولى زواج المرأة وليها و هو أبوها فأحد أقاربها الأولين ، والقاضي ولي من لا ولي له.
المادة 12: لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه وكان أصلح لها ، و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 09 من هذا القانون.
غير أن للأب أن يمنع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصلحة للبنت.
المادة 13: لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر من في ولايته على الزواج ولا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها.
المادة 33: إذا تم الزواج بدون ولي أو شاهدين أو صداق ، يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه ويثبت بعد الدخول بصداق المثل إذا اختل ركن واحد ، و يبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد.
وبالتالي اللجنة لم تلغي الولي بل استقر الرأي و تعيّن جمع شمل شتات المواد الأربعة السالفة في مادة واحدة تممت بمادة مكررة بغرض جعل مضامينها فقرات بدل البعد الموجود بين المادة 11 و المادة 33 مما جعل الناس لا ترى المادة 33 و هي موجودة منذ 1984 إلى يوم الناس هذا ، فجاء في مشروع الحكومة اختيار وسطي جعل الولاية حق للمرأة يجوز لها تفويضه و سنتعرض أدناه لــــما تمت مناقشته و عرضه في اللجنة سيما في الفوج الثالث حول رأي الفقه في الولاية في الزواج، من باب التأصيل الشرعي للمسألة حتى يتحدد مجال النقاش في حيزه العلمي لا السياسي، و لا يقول الناس أن قانون الأسرة الجديد خالف الشريعة الإسلامية و لا أن اللجنة لم تلتزم بأحكام الشرع أو أنها التزمت توصيات مؤتمر بكين كما يحلو للبعض رجم الناس بالتهم والظن.
فإذا رجعنا إلى: ( مقارنة المذاهب في الفقه) واستطلعنا موقف الأستاذين محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق و محمد علي السايس عضو هيئة كبار العلماء لوجدنا اتفاق علماء الأمة على أن للمرأة الرشيدة أن تلي جميع العقود بنفسها غير النكاح و لها أن توكل فيها من تشاء دون أن يعترض عليها أحد ، أما إذا باشـــرت الزواج دون ولي أو وكلت غيرها فذهب الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت وتلميذه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري و زُفر بن الهذيّل بن قيس الكوفي من فقهاء الحنفية إلى: صحة هذا النكاح مطلقا إلا أن للولي حق الاعتراض فيما إذا كان لغير كفء ما لم تلد أو تحمل حملا ظاهرا .
و الذين قالوا بأن مشروع قانون الأسرة الجديد بتر المذهب الحنفي لأنه لم يرد في التعديل أنه يجوز للولي طلب فسخ الزواج قضائيا إذا كان من غير كفء للزوجة ، نذكرهم بأن لا بتر في الموضوع لأن أحكام المادة 222 من القانون 84-11 لا تزال سارية المفعول و هي تحيلنا على أحكام الشريعة الإسلامية عند وجود أي نقص في القانون .
وإذا استطردنا في بحث مسألة الولاية في الزواج عند المذاهب والمدارس الفقهية نجد أن داود الظاهري و تلميذه ابن حزم الأندلسي صاحب المحلى بالآثار في الفقه ذهبا إلى أن عقد الزواج صحيح إذا كانت ثيبا و باطل إذا كانت بكرا.
وذهب الإمام أبو ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان الكلبي البغدادي - و هو أبرز فقهاء الشافعية و كان لا يقلد الشافعي بل يخالفه متى ظهر له الدليل- إلى أنه صحيح إذا أذنها الولي به و باطل إذا لم يأذن.
وقال محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الكوفي الحنفي هو صحيح موقوف على إجازة الولي إن أجازه الولي نفذ و إلا بطل ، و إذا امتنع الولي عن الإجازة في الكفء جدد القاضي العقد و لا يلتفت إليه.
و للإمام أحمد ابن تيمية من الحنابلة رأي لطيف ورد في موسوعة فقه السنة له حول: ( فقه النساء في الزواج و العِشرة و النشوز والطلاق ) بتحقيق الدكتور السيد الجميلي و الذي نشرته دار الفكر العربي ببيروت سنة 1999 جاء فيه عن ابن تيمية أنه سئل عن:
- إجبار الأب لابنته البكر البالغ على النكاح : هل يجوز أم لا؟
( فأجاب): و أما إجبار الأب لابنته البكر البالغة على النكاح : ففيه قولان مشهوران: هما روايتان عن أحمد.
( أحدهما) أنه يجبر البكر البالغ ، كما هو مذهب مالك و الشافـــعي و هو اختيار الخرقـــي و القاضي و أصحابه.
و(الثاني) لا يجبرها ، كمذهب أبي حنيفة و غيره ، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز بن جعفر وهذا القول هو الصواب ، و الناس متنازعون في مناط الإجبار هل هو البكارة أو الصــغر أو مجموعهما أو كل منهما ؟ على أربعة أقوال في مذهب أحمد و غيره ، و الصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، و أن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح ، كان هذا قول الإمام ابن تيمية حرفيا دون تصرف نقلا عن الدكتور السيد الجميلي، ثم قال الإمام ابن تيمية في نفس سياق فتواه : قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن و لا الثيب حتى تستأمر) رواه الــبخاري فقيل للنبي ( ص) : إن البكر تستحي؟ فقال: إذنها صُماتها و في لفظ في الصحــيح (البكر يستأذنها أبوها) فـــهذا نهي النبي صلى الله عليه و سلم: لا تـنكح حتى تستأذن و هو يتناول الأب و غيره ، و قد صرح بذلك في الرواية الأخرى الصحيحة و أن الأب نفسه يستأذنها.
و أيضا: فإن الأب ليس لــه أن يتصرف في مالها إذا كــــانت رشيدة إلا بإذنها و بُضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها.
و أيضا: فإن الصغر سبب الحجر بالنص و الإجماع ، و أما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام ، فإن الشارع لم يجعل البكارة سببا للحجر في موضع من المواضع المجمع عليها ، فتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع إلى أن قال بعد أن استفاض في شرح المقال : أما تزويجها مع كـراهتها للنكاح فهذا مخالف للأصول و العقول، و الله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها ، و لا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده ، فكيف يكرهها على مباضعة ( أي مجامعة ) و معاشــرة من تكره مباضعته و معاشرة من تكره معاشرته؟!والله قد جعل بين الزوجين مـــودة ورحمة فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، و نفورها عنه، فأي مودة ورحمة في ذلك ؟!.
كانت هذه فتوى الإمام ابن تيمية حرفيا وبإيجاز رغم أن كثير من الناس ينسبونه للتطرف و التشدد و لا يخفى ما في هذه الفتوى من لين ومرونة و توضيـح، و لابد لنا من الاطلاع على حكم الشريعة في هذه المسألة عند جميع الأئمة بما فيهم الإمام ابــن تيمية لكي يعرفها المجتمع بـــجميع تياراته وهذا قطعا لدابر الخلاف و الاختلاف حتى لا تكون في المجتمع فتنة و يكون لقانون الأسرة الجزائري السبق في التغيير نحو العصرنة و التحديث في ضوء مراعاة مقاصد الإسلام الخمس التي أفاض فيها الإمام الشاطبي في كتـــابه الموافقات .
عرض أدلة الأحناف في الولاية:
من القرآن: جاء في كثير من الآيات التصريح بإسناد النكاح إلى المرأة و الأصل في الإسناد أن يكون إلى الفاعل الحقيقي ، مثال:
01 - قول الله تعالى: ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره).
02 – وقوله تعالى : ( و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف.).
قالوا هذه الآيات ظاهرة في أن نكاح المرأة و مراجعتها و ما تفعل في نفسها بالمعروف يصدر عنها و يترتب علـيه أثره من غير توقف على إذن الولي و لا مباشرته إياه.